دكالة 24:اعداد :بازغ لحسن
يعتبر الشعر احد الوسائل الفنية التي وظفها الامازيغ في حياتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية ،الى ان اصبح ديوانا لهم .هذه المكانة السامية التي رفع بها الامازيغ شعرهم جعلته يرتبط باغلب نواحي حياتهم ،فهو يغنى من طرف الروايس الجوالين ،وينشد في حفلاتهم وفي مسراتهم وفي احزانهم ،ويوظف في صراعاتهم ،ويستعان به في اعمالهم ،وفي الذوذ عن حماهم …. لكن الكثير منه ضاع واندثر ،وبقي ماسجله الرواد من الشعراء والفنانين والفنانات والروايس .
لذلك ارتايت ان افتح صفحات للتعريف برواد هذا الشعر الغنائي الامازيغي عبر حلقات للتعريف بهؤلاء وما اسدوه للثقافة وللغة الامازيغيين …وللتعريف باسهاماتهم “هن”…..
ينحدر المرحوم الرايس الحاج بلعيد من أسرة فقيرة استقرت منذ تاريخ غير معروف في مدشر “ءانو ن عدو” بجماعة “ويجان”، الواقعة شرق إقليم تزنيت على بعد 12كلم وهناك ولد في سنة غير محددة ، إذ لم يستطع كل الذين كتبوا عنه تحديد سنة ميلاده إلا على وجه التقدير والاحتمال. والمعطيات المتوفرة في الموضوع ترجح أن يكون ميلاده أواخر الربع الثالث من القرن الـ19، وولادته بالتحديد ما بين 1870 و1875، فيما يرجح، حسب الباحثين، أن تكون وفاته في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، مابين 1943 و1948، والمرجح أنه توفي سنة 1945.وقد نشا الشاعر الرايس نشاة اليتم والعوز ،اذ مات ابوه قبل ان يبلغ سن التمييز وادخلته امه الى كاب مسجد القرية لعله ينال نصيب من التعليم ،لكن الظروف العائلية حالت دون ذلك ،فاشتغل اجيرا في رعي الغنم في “ايدا وباعقيل “وفي تازروالت لاح للشاعر فجر جديد وامتد به الافق فامتد معانقا عواده ومناجيا لوطاره وربابه وتعرف على اصول العزف والغناء واساليبه ،فكان ضمن مجموعة الروايس الاولى التي رافقها بعد مغادرته لتازروالت .
ويعدالرايس الحاج محمد بلعيد مدرسة فنية وأدبية تاريخية قائمة الذات، تحمل العديد من الرسائل الرمزية التي تؤكد أن التشبث بكل ما يرسخ الهوية المغربية واجب حضاري وطني من أجل جعل المغرب يتطور، بشكل إيجابي، دون التفريط ونسيان التقاليد المغربية ،بارعا في التلوين الصوتي، خفضا ورفعا، سرعة وبطئا على أوتاره الصوتية الحادة المنغومة، ما ينم عن غنى محفوظه من الألحان والإيقاعات الأصلية المتواترة عن الأسلاف، والتي أعاد صياغتها من روحه، وطبعها بطابع عصره، وعلى طريقته في الإنشاد، فكان له فضل تدوينها، والسبق إلى تجديد روايتها في الناس، وتخليدها فيهم على الاسطوانات، ولعل من مظاهر العناية بأيقونة الغناء الأمازيغي، هو التكريم الذي خصصته له مدينة تزنيت سنة 1914 بنصب تمثال من حديد له يوجد عند مدخل الفضاء الأخضر لدار الثقافة بتزنيت بجوار المكتبة، ويتضمن منحوتا حديديا يصل طوله إلى مترين وتبلغ قاعدته حوالي نصف متر استخدم في إنجازه خليط من المواد الصلبة مثل الحصى والإسمنت المقوى والحديد، فضلا عن الجبس.
توفي الرايس محمد بلعيد في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، في صمت وغفلة من الناس عن أمثاله، وفي ظروف تحكمها أهوال الكوارث الطبيعية من أوبئة ومجاعات، وتسودها الصراعات السياسية العالمية المتتالية قبيل الحرب الكونية الثانية، بعد مسار حافل من العطاء ما يزال إلى حدود الآن يشكل معينا لا ينضب لفن الروايس، حيث استطاع، بحسه الفني ونبوغه وعبقريته المتفردة، أن يطبع المشهد الغنائي الأمازيغي ماضيا وحاضرا. وما تزال أشعار وأغاني الرايس الحاج محمد بلعيد خالدة يتغنى بها الأمازيغ، شاهدة على روعة وعبقرية مبدعها الأول، حيث قامت مجموعة من الفرق الغنائية المعاصرة بإعادة غناء ميراث الحاج بلعيد بلمسة عصرية، وبآلات موسيقية حديثة متطورة.
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=5089