دكالة 24:
بعد كل من الأديب الحبيب الدايم ربي والأديب الطاهر الكنيزي ، ينضاف اسم الكاتب العياشي ثابت إلى قائمة الكتاب المثابرين بإصرار على التميز والعطاء في المجال الأدبي، حيث تمكن من الحصول على الرتبة الأولى في مسابقة أوديسا الأدب العربي للقصة القصيرة، وذلك عن قصة : منانة ، التي تحكي جانبا من معاناة المرأة المغربية إبان فترة الاستعمار، في قالب قصصي ماتع، يربط الماضي بالحاضر ويرصد خبايا موروث غنائي شعبي جدير بالقراءة والتحليل.
فرغم الطابع الرمزي للمسابقات الأدبية تبقى هذه الالتفاتة جديرة بالاحترام التقدير، في حق كاتب عصامي ظل يلازم الكتابة بشتى أنواعها، خائضا في جل الأجناس الأدبية، فاستطاع بذلك أن يحفر في الصخر عناوين مؤلفاته المتنوعة:
قوس قزم ( رواية)، صفير فوق العادة ( شعر)، ممر الراحلين ( مجموعة قصصية) ، نوسطالجيا بلدية ( حكايات)، و ديوان زجلي بعنوان: ما صدقتيش… بالإضافة إلى مساهمته في عدد من المؤلفات المشتركة وعدد من المقالات الأدبية في منابر إعلامية متعددة…
مسابقة أوديسا الأدب في القصة القصيرة
ألف مبارك التتويج والتميز للكاتب الرائع:
الأستاذ العياشي ثابت من المغرب.
EL Ayachi Tabit
لحصوله على المركز الأول في صنف:
القصة القصيرة.
بمزيد من التوفيق والتألق.
الدرجة : 32 نقطة من 40.
منانة.
خلف الربوات الخضراء، امتد بصر أحمد امتداد السّلسل الجاري، بعمق ضئيل وصفاء يبرز تلاوين الحصى وتجاعيد الطمي، هناك حيث كانت منانة تغسل الأغطية في نشوة عذراء ساحرة، وظلِّ سكون يكسره خرير المياه وأصوات العصافير الشاردة. تلاقت نظراتهما، فشع منها بريق إحساس غريب، فما لبثا أن تعاهدا بتخليل الأصابع والمشاعر على زواج مرتقب.
أوقدت مشاعر العشق في منانة جذوة حماس ظاهرة، فكانت تسير في خيلاء، منتشية بخطبتها من أحمد البناء، تثير بمشيتها كل حالمٍ وراءٍ، حتى إذا لمح زينتها “القايد الغندور”، تساءل من تكون، ثم أمر رجاله بضمها الى حريمه، في زمن لا رادَّ لحكمه ولا عاصي لأمره، فقد كان يد الاستعمار التي يبطش بها، وعينه التي يبصر بها، ووسيلته في إذلال القوم دون حسيب أو رقيب…
استنكر أهل القبيلة ذلك في الخفاء، فسلطوا سهام سخريتهم المقيتة على أحمد ، بينما بات المسكين يتحاشى كل الجموع ، ويتغاضى كرها عن كل منطوق ومسموع…
مرت شهور عديدة على اختفاء منانة خلف أسوار القايد الغندور، تندب حظ عشقها المغبون، وتتجرع مرارة القيد والهوان، وتستجيب قسرا لرغبات سيدها الولهان، حتى إذا رق يوما قلبه القاسي، وعدها أن يحقق حلمها بالزواج ممن تحب، فأمر أمره المطاع بعقد قران منانة وأحمد في جمع لا يطاق، معلنا أن هذا الزواج ليس بعده طلاق… فتوالد العروسان بتوالي السنين، كاتمين في الأعماق ذلك الغيظ الدفين…
انطلقت الشرارة الأولى للمقاومة، إذ تاق الناس للانعتاق من ربقة الاستعمار الجائر، وتاق أحمد للتخلص من زواج قسري قاهر…فكانت النساء يوصين منانة بالانجاب ، إذ كن يرين في الأولاد وِجاءً من شبح الطلاق، فيما كان يرى فيهم الرجال إشباعا لهاجس العقب والخلود…
بلغت الثورة ذروتها، وهاجم المقاومون أعوان الاستعمار وقواده الخونة، فحرروا النساء والرجال، واستبشروا بطلاق الاستعمار الى غير رجعة، تماما كما استبشر أحمد بطلاق منانة دون قيد أو قائد…
طلقها على مضض، كي يمحو العار ويسكت الفجار، و يثبت لنفسه العزة والكرامة أمام القوم، لكنه عجز عن تفسير الأمر لأبنائه الراشدين وبناته القاصرات
وتهافت الناس على بيت القائد الغندور تهافت مغنم وانتقام، بعد أن لاذ الخائن وأعوانه بالفرار، وتركوا خلفهم جنات وعيون ونعمة كانوا فيها فكهين. غنم أحمد سرج الحصان الذي كان يمتطيه القائد الهارب في جولاته الجائرة، فحمله الى بيت طليقته، ثم هام بعدها في أرض الله الواسعة لايعلم له الناس وجهة ولا أثرا…
سالت دموع الرجال والنساء على السواء، بعدما وقف الجميع مندهشين ذات مساء، أمام جثة منانة التي شنقت نفسها بحبل السرج المعلوم، فصارت في القبيلة حديث كل مكلوم ومظلوم…
وردد قصتها رعاة الغنم في القبيلة وهم يعزفون على أوتار كمنجات محلية الصنع مرددين:
كية احمد …كاع ما تبرد
كية منانة … مشات فكعانة
الكاميو لمشرك…جايب جلبانة
القايد الغندور… وياك شــاهد زور.
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=18124