في إطار الاسترسال الإشعاع العلمي والأكاديمي، نظم مختبر الدراسات السياسية والحكامة الترابية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية بتنسيق مع الهيئة المغربية للصحفيات، ندوة علمية وطنية حول موضوع : «المشهد الاعلامي… وقائع وافاق”، وذلك بحر الاسبوع الماضي ، بقاعة الندوات بذات الكلية.
افتتحت فعاليات الندوة العلمية بكلمة افتتاحية لعميد الكلية الدكتور “عبد اللطيف إغز” ، رحب فيها بالضيوف الكرام، قبل أن ينقل الكلمة للدكتور” سعيد خمري “رئيس شعبة القانون العام، الذي عبر بعد ترحيبه بالحضور عن أهمية الموضوع، وراهنيته.
وقد ترأس الجلسة الأولى الأستاذ الدكتور “عز الدين العلام”، أستاذ التعليم العالي كلية الحقوق المحمدية، بعد الترحيب بالحضور الكريم، أعطى الكلمة للدكتور محمد حفيظ الصحفي المهني السابق والأستاذ الجامعي الحالي، الذي تناول بالدراسة والتحليل محور ” المشهد الإعلامي بالمغرب بين الوصاية الرسمية والوصاية غير الرسمية”، استهل الأستاذ “محمد حفيظ”، مداخلته بإستحضار السياق التاريخي لوزارة الإتصال منذ أول حكومة مغربية؛ من حيث التسمية متخذة أسماء متعددة ومختلفة(الانباء،الإعلام،الإتصال)، وكذلك من حيث الارتباط، فتارة ارتبطت بالداخلية كما هو الحال على عهد وزير الداخلية القوي إدريس البصري وسُميت “وزارة الداخلية والإعلام”، وفي أحيان أخرى ارتبطت حكوميا بوزارات الثقافة والسياحة والشبيبة والرياضة، كما هو واقع الحال الآن. متسائلا في الآن ذاته عن جدوى وزارة الاتصال بأسمائها المختلفة طوال مسار الحكومات المتعاقبة.
وأضاف متسائلا بخصوص حدف وزارة الاتصال في التعديل الحكومي الجديد؟ معتبرا ان الحذف طال الإسم فقط، اما الاختصاصات مازالت قائمة تمارس بإسم وزارة أخرى. حيث جاء هذا الحذف الذي فرضه رهان تقليص عدد الحقائب الوزارية، وبالتالي فإن الحذف شكلي يخص الإسم فقط، أما المهام والاختصاصات نقلت إلى وزارة أخرى.
وفي الجانب الآخر، تناول الأستاذ سعيد الخمري، رئيس شعبة القانون العام كلية الحقوق المحمدية ، الذي أكد في مداخلته بعنوان: “حرية الصحافة بالمغرب بين المعايير الدولية والتشريع الوطني” على أن حرية الصحافة وحرية التعبير هما أساس كل نظام ديمقراطي.
وأضاف المتحدث ذاته، ان ممارسة فعل الاعلامي والصحافة يطرح مجموعة من الإشكالات في تحديد المعايير الدولية المتعارف عليها عالميا والضامنة لممارسة حرية التعبير بجميع أشكالها، وابرز ذلك من خلال المعايير الدولية وخاصة المادة 19 الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذا العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية. كما استحضر اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1984، التي تنص على عدم إمكانية وجود قيود تمارس بطرق تأويلية لتضييق على حرية الصحافة في الدول النامية، ثم تناول المعايير الدستورية خاصة الفصول 25_27_28 واستحضر المدونة الجديدة للصحافة والنشر، التي تعتبر اهم تشريع وطني. بقوانينها الثلاثة(قانون المجلس الوطني للصحافة،قانون الصحافة والنشر،والنظام الأساسي للصحافيين والمهنيين)، معتبرا هذه الترسانة القانونية تشكل تقدما بالمقارنة مع النصوص القانونية السابقة.
وواصل خمري كلامه، طارحا سؤالا بخصوص النصوص القانونية التي ساهمت في الحد من مظاهر الممارسة السلبية للصحافة على أرض الواقع؟ وأبرز ذلك من خلال المدونة الجديدة للصحافة والنشر التي استجابت بشكل كبير للتأطير القانوني لهذا الحقل المهني، لكن يبقى الانحراف على مستوى الممارسة الفعلية.
وخلال الجلسة الثانية من هذه الندوة الوطنية، جاء تدخل الأستاذ “فاطمة الزهراء أورياغلي”، مسؤولة على صحيفة “ليكومينست”، نائبة رئيس المجلس الوطني للصحافة، وعضوة في الفدرالية المغربية لناشري الصحف، في مداخلتها التي كانت تحت عنوان: “La formation des journalistes et son adaptation aux besoins de l’écosystème du secteur de la presse marqué par la mondialisation et la digitalisation”، التي تساءلت بدورها عن الهدف من حذف وزارة الإتصال من التعديل الحكومي الأخير؟
الأستاذة اورياغلي قدمت مجموعة من الإحصائيات والمعطيات خصوصا تلك المتعلقة بالمواقع الالكترونية والتي طغت على المشهد الإعلامي المغربي وأن الكثير منها تعمل خارج الإطار القانوني وبلغة الأرقام أن هناك أكثر من 4300 موقع الكتروني، يوجد منها 1000 موقع قانوني، منها 420 موقع تتوفر على الشروط المتطلبة في الموقع و 30 مقاولة الصحافة مطابقة للقانون.
وفي سياق آخر، أشار الأستاذ “عبد الله البقالي” رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وعضو المجلس الوطني للصحافة، الذي كانت مداخلته تحت عنوان: “المتغيرات في المشهد الإعلامي الوطني”، إلى ان المشهد الاعلامي المغربي يعرف مجموعة من المتغيرات المتعلقة ب(مفهوم الإعلام، المنتوج الاعلامي، الانتقال من اعلام المركز إلى اعلام اللامركز(الجهوي والمحلي)، التكوين، الدوق العام، أخلاقيات مهنة الصحافة، حرية الصحافة)، حيث قام بتمحيص هذه المتغيرات واعتبرها لاتهم المشهد الإعلامي المغربي فقط، بل تهم المشهد الإعلامي العالمي مع وجود تفاوتات في البنية المجتمعية ومدى تأثر هذه التدعيات في التحولات المترتبة في المشهد الإعلامي.
وابرز البقالي وهو بصدد الحديث الانتقال من اعلام المركز إلى اللامركز، ان المشهد الاعلامي يعاني من المشاكل التي يجب معالجتها، بإعتبارها لها اولوية في إنقاذ المشهد الاعلامي الذي لازال يعاني من الفوضى التي يعيشها بعد تناسل وسائل إعلامية كثيرة وغير مهيكلة، وخصوصا في الإعلام الإلكتروني.
كما تحدث عن مفهوم التكوين الذي اعتبره بالمتغير المهم والمتغير الأساسي، حيث كشف ان معاهد التكوين عرفت انتشارا غير مقنن ولايخضع للضوابط المهنية بحيث كشف إحصاء عن وجود 47 معهد للتكوين الصحافيين بدون المعايير المتطلبة قانونا.
وأكد المتحدث ذاته، نقيب الصحفيين المغاربة معتبرا خروج مؤسسة المجلس الوطني للصحافة للوجود قيمة مضافة وازنة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية بصفة عامة، وبصفة خاصة لجميع الصحفيات والصحفيين المهنيون.
البقالي كشف وهو بصدد الحديث عن حرية الصحافة: “لحد اليوم 60 موقعا إلكترونيا لا يعرف عنها المغاربة أي معلومة، هل هي من داخل المغرب أو خارجه أو من المسؤول عنها ، وحتى الدولة لا تتوفر على معلومات بشأنها”.
وفي مداخلة الأستاذ الدكتور “عمر الشرقاوي”، الذي تناول بالدراسة والتحليل محور “اقتصاد الاعلام: الوظائف المعلنة والخفية للدعم العمومي والاشهار”، استهل حديثه في الموضوع من خلال عدم إمكانية الحديث عن إعلام مسؤول في غياب دعم مالي عادل، مؤكدا على أن الإعلام العالمي تحكمه رهانات إقتصادية.
وكشف الشرقاوي، عن نوعين من الدعم المالي؛ الدعم العمومي والدعم من خلال الإشهار، معتبرا العنصر الأخير يشد الصحافي المهني بتوجهات المانحين، وذلك من خلال التأثير في الهندسة الإخبارية والقناعة الفكرية والسياسية للصحافي الشيء الذي يمس بأخلاقيات المهنة، حيث خلص الى ان سلطة المال تقوم بتمييع بصورة واضحة استقلالية المشهد الإعلامي، وان الإعلام انتقل من سلطة المؤسسات إلى سلطة المال والاشهار. كما ابرز ان الدعم المالي العام غير كافي لتطوير إعلام مسؤول ومستقل.
وقد اختتمت ندوة ” المشهد الإعلامي..وقائع وآفاق”، بتفاعل كبير من قبل الحضور الكريم وبشكل علمي، كما نوه الاساتذة بمستوى الطالبات والطلبة الباحثين في سلكي الماستر و الدكتوراه.
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=170