دكالة 24:
استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.
خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى وأعلام المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.
——- إعداد: أحمد مسيلي —– الحلقة 18
تمراكشت ، السبيت وتركا مدن دكالية صغيرة تعرضت للتخريب والغارات المتتالية فكان أن خلت حيث هجرها السكان . يذكر الحسن الوزان أن تمراكشت مدينة صغيرة في دكالة على نهر أم الربيع بناها السلطان الذي بنى مراكش لذلك فإنها تحمل نفس الاسم ، وقد كانت مدينة كثيرة السكان ، خاضعة لآزمور وقد خرجت في نفس السنة التي سقطت فيها مدينة آزمور بيد البرتغال فتحول سكانها إلى مدينة الغربية .
أما مدينة السبيت فكانت تقع على الضفة الجنوبية لنهر أم الربيع ، تبعد عن المدينة بنحو أربعين ميلا ، وتخضع لأعراب دكالة وهي تنتج كثيرا من القمح والعسل ، لكن لا ترى بها بساتين ولا حقول كروم لجهل سكانها . ولما خربت بولعوان نقل ملك فاس سكان مدينة السبيت الى مملكته وأعطاهم مدينة صغيرة كانت مهجورة في إقليم فاس ، وبقيت مدينة السبيت مند ذلك الحين خالية . وبخصوص تاركا فإنها كانت تقع على ضفة نهر أم الربيع بعيدة عن آزمور بنحو ثلاثين ميلا ، كانت آهلة بالسكان محتوية على ثلاثمائة كانون خاضعة لأعراب دكالة ، ولما احتلت آسفي انتقل علي رئيس الطائفة المعادية للبرتغاليين إلى تركا وسكنها فترة من الزمن مع بعض أنصاره الأبطال ، وبعد ذلك استقدمه ملك فاس إلى مملكته مع أسرته ، فغدت تركا خالية تأوي إليها البوم ، وقال حسن الوزان ، كانت تاركا تقع على بعد 35 كلم في ملتقى نهري تركا ونهر أم الربيع ، على الضفة اليمنى لهذا النهر ، وقبل أن يستقر علي بن واشيمن في تركا ، أسره الناصر الوطاسي وحمله إلى أخيه الملك بفاس عام 1514 م ثم رجع وترأس قبيلة بني ماجر عند حركة الملك محمد الوطاسي سنة 1515م ثم انتقلت هذه القبيلة كلها إلى فاس .
من بين أهم المدن التاريخية بإقليم دكالة نجد مدينة آزمور التي شهدت العديد من الحروب والغزوات … تقع مدينة آزمور على الضفة الجنوبية لواد أم الربيع على مقربة من البحر، تبعد عن مدينة الجديدة بحوالي 17 كلم. وهي مدينة عتيقة أسسها أمراء صنهاجة لما استقر البربر بالمغرب . وكان لها شأن عظيم في العلم والدين والعمران … وفي سنة 1513 م استولى عليها البرتغاليون وأحاطوا بالمدينة سور منيع وغيروا معالمها وآثارها وأجلوا سكانها، ولم يتم تحريرها إلا في أيام السلطان السعدي أبي العباس الأعرج وعمرها الملوك السعديون لكن لم تعد لحالتها السالفة.
تعتبر مدينة آزمور إحدى المدن المغربية القلائل التي استأثرت باهتمام كثير من كبار المؤرخين سواء المغاربة منهم أو الأجانب ، وقد ذكر اسم مدينة آزمور لأول مرة في تقرير رحلة الملك القرطاجي حانون للساحل الأطلنتيكي للمغرب خلال القرن الخامس قبل الميلاد . واسم المدينة هو الآخر عرف عدة تقلبات قبل أن يستقر على ما هو عليه حاليا واسم ” آزمور ” كلمة بربرية تعني شجر الزيتون البري الذكر . وخلال الفتوحات الإسلامية للمنطقة سرعان ما اعتصم سكان مدينة آزمور بحبل الدين الإسلامي حيث دخلها الفاتحون المسلمون بقيادة موسى بن نصير الذي أمر بتأسيس مسجد بها وتزويدها بعدد من الفقهاء والعلماء ، لكن سلوك بعض الولاة الأمويين فيما بعد لم يلبث أن جعلها تنطوي على نفسها وتتأسس بها إمارة خارجية ” الخوارج ” مستقلة عن الخلافة الإسلامية بالمشرق سنة 125 هجرية على غرار باقي الإمارات المحلية الأخرى التي ظهرت بالمغرب من أمثال إمارة بني صالح في نكور وبني مدرار في سجلماسة ، فدخلت مدينة آزمور هي الأخرى ضمن إمارة تحمل اسم بورغواطة بزعامة صالح بن طريف البرغواطي تمتد من سلا شمالا إلى آزمور أم الربيع جنوبا . وبعد وفاة المولى إدريس الثاني سنة 213 هجرية خلفه ابنه محمد الذي وزع بأمر من جدته كنزة أم إدريس الثاني المغرب بين إخوته فكان من نصيب أخيه عيسى إقليم شاسع يشمل سلا وشالة وتامسنا و آزمور .
عرفت مدينة آزمور في عهد الدولة المرابطية نشاطا دينيا مكثفا على يد عدد كبير من المتصوفين ومن أشهرهم مولاي بوشعيب ، وبعد الزيارة التي قام بها الملك يوسف بن تاشفين لآزمور سنة 477 هجرية انطلقت من مينائها هذه السنة 30 سفينة في اتجاه الأندلس للمشاركة في معركة الزلاقة سنة 479 هجرية ضد المسيحيين . وقد أقام الإمام المهدي بن تومرت بها سنة 514 هجرية ما يقارب مدة شهر في محاولة لإخضاعها لحكمه وفي سنة 538 هجرية تعرضت للتخريب من طرف أتباع الملك المرابطي تاشفين بن علي ونقل ما تبقى من صناعتها إلى سلا ، وفي سنة 541 هجرية زار عبد المومن بن علي الكومي مدينة آزمور عقب سقوطها في قبضة الموحدين لتسقط من جديد تحت السيطرة المرينية خلال سنة 654 هجرية بينما شيد الملك المريني أبو عنان ثلاثة مساجد بها سنة 754 هجرية / 1352 م وأرسل أفواجا من الفقهاء والعلماء إليها كما قام بتحصينها ، وتنتشر بمدينة آزمور مجموعة من المساجد ومن أهمها المسجد الكبير ومسجد القصبة ومسجد الزاوية التيجانية ومسجد الزيتونة ومسجد الزاوية البدوية ومسجد سي اخديم ومسجد الحفرة ومسجد مولاي بوشعيب ومسجد أبو النصر …
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11858