دكالة 24:عدنان حاد
– 11 –
صلاح الدين الأيوبي، بطل لم ولن ينساه التاريخ لما قام به من دور عظيم في الدّفاع عن العروبة والإسلام. فهو زعيم مسلم شجاع عاش في القرن الثاني عشر، وتمتع بأسُس إسلاميّة راسخة جعلته يلتزم بقضايا الإسلام، مما جعله يحقّق إنجازات عظيمة .
ولد صلاح الدّين في مدينة تكريت العراقية في عام 1138 ميلاديّة. وكانت ليلة ولادته، هي نفس اللّيلة التى إنتقلت أسرته فيها من تكريت إلى الموصل، التي لم تقضي فيها سوى عام واحد لتنتقل إلى بعلبك، حيث تم تعيين والده والياً عليها لمدّة 7 سنوات. ثم انتقلت أسرة صلاح الدّين إلى دمشق وقضى فترة طفولته وشبابه فى البلاط الملكي، وتعلّم صلاح الدّين علوم الفلسفة وعلوم الرياضة و وحفظ القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، أيضاً تدرّب على السلاح وفنون القتال ونشأ فيه حب الجهاد وكان بطلاً ماهر فى جيش عمه( أسد الدين شريكوه).
بدأت حياة صلاح الدين المهنيّة عندما انضمّ إلى فريق عمّه “أسد الدين شيركوه” وهو قائد عسكريّ يعمل تحت إمرة “أمير الدين زنكي”، حيث نشأ في ذلك الوقت صراع ثلاثيّ معقّد بين “شاور” وزير الخلافة الفاطميّة في مصر، والملك الأول للقدس، و”شيركوه”، وفي عام 1169 وعندما كان صلاح الدين يبلغ من العمر 31 عاماً عُيّن قائداً للقوات السوريّة في مصر.
انطلق صلاح الدين إلى دمشق؛ حيث رحّبت به المدينة، وتزوّج من أرملة نور الدين وبذلك عزّز شرعيّته فيها، وقد تمكّن من فرض نفوذه على حلب والموصل في عامي 1176 و 1186 على التوالي. في حين كان صلاح الدين يعزّز سلطته في سوريا، لمّا نظر صلاح الدّين ووجد أن حكم الصليبيين يتوسّع فى بلاد الشام حزن وقرّر محاربتهم. لكن هذا الأمر كان صعباً . جمع صلاح الدين الأيوبي كل الشباب المجاهدين ودرّبهم على فنون القتال وبثّ فيهم روح الجهاد والثقة فى نصرة الله. ثم أبتدأ يضم البلاد المحيطة بمصر مثل دمشق وحلب وبعلبك وحماة وأستغرق هذا الأمر من صلاح الدين الأيوبى مدة لا تقل عن 10 سنوات. حتى تتوحد الدولة الاسلامية أعلن هدنةً مع الصليبيين عام 1178، وكان هدفه أن يتعافى جيشه من الهزيمة، ولكنّه جدّد هجماته عام 1179، وهزم الصليبيّين في معركة مخاضة يعقوب، وهذا أدّى إلى عددٍ من ردود الفعل من الصليبيّين ومنها مضايقات التجارة الإسلاميّة وطرق الحج على البحر الأحمر، والتهديد بمهاجمة المدينة المنوّرة ومكّة المكرمة، ونهب قافلة حجّاج المسلمين في عام 1185
قضى صلاح الدّين على الدّولة الفاطميّة وذلك بطرق سلميّة حيث أنّه عذل كل الوزراء والأمراء الذين يدينون بالمذهب الشيعي وعيّن بدلاً منهم أمراء وحكام يدينون بالمذهب السني. ثم أنشأ مدارس لتعليم النّاس الفقه المالكي والشافعي والحنفي.
في الرابع من تموز عام 1187 استطاع صلاح الدين القضاء على الجيش الصليبيّ إلى حدٍ كبير في معركة مجتمعة بينه وبين ملك القدس آنذاك، وريموند الثالث من طرابلس، وكانت هذه المعركة نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ الحروب الصليبيّة، وسُميَّت هذه الواقعة بمعركة حطّين، وقد مهّدت الطريق لاستعادة المسلمين للقدس، وطرابلس، وأنطاكيا، وإبطال الإنجازات التي حققتها الحروب الصليبية في الأرض المقدّسة .
تُوفِّي صلاح الدين في قلعة دمشق عن عُمر يناهز السابعة والخمسين عاماً، بعد أن عانى من المرض الشديد، فقد خرج صلاح الدين في 14 صفر من عام 589هـ؛ للقاء الحُجّاج عند عودتهم من مكّة، وقد كان لقاءً مُؤثِّراً؛ إذ تأثَّر السلطان صلاح الدين وبكى حينها، وعندما رجع إلى دمشق بعد استقبال الحُجّاج، أصابَته حُمّى صفراويّة، واشتدّ المرض عليه حتى أصبحت حالته خطيرة، ويئس الأطبّاء من حالته ومن علاجه، وعندما انتشر خبر مرض صلاح الدين في دمشق، خاف الناس وحزنوا حزناً شديداً، وأصبحوا يزورونه في قلعة دمشق، ويدعون له بالشفاء العاجل، إلّا أنّه لم يدخل عليه سوى القاضي ابن شدّاد، والقاضي الفاضل، حيث لازمه كلاهما طوال أيّام مرضه. ومن المواقف التي حدثت أيّام مرضه أنّه كان يجلس في اليوم السادس عند القاضي ابن شدّاد، وعندما أراد شُرْب الدواء أحضروا له ماءً ليشربَه، فشكا من شِدّة حرارته، فأحضروا له كوباً آخر، فشكا من شِدّة برودته، ثمّ قال: (سبحان الله، ألا يمكن أحداً تعديل الماء)، ولم يكن صاخباً أو غاضباً، وعندها خرج القاضِيان من عنده، واشتدّ بهما البكاء؛ حزناً وألماً على فراقه، وعلى سماحة أخلاقه، وفي اليوم العاشر من مرضه، حُقِن بالدواء، وتناول مقداراً من ماء الشعير، فارتاح قليلاً، ففَرِح الناس، واستبشروا بشفائه، وفي اليوم الحاديَ عشر من مرضه، قِيل بأنّ العَرَق قد أفرطَ من جسده، وبلّلَ الفراش حتى تأثَّرت الأرض به، وقد احتار الأطباء في أمره، وعندما رأى الملك الأفضل، وهو أكبر أبناء صلاح الدين أنّه لا أمل في شفاء والده، استأذن الناس أن يكون الأمر لوالده طيلة حياته، وله بعد مماته. وفي دمشق، في ليلة الأربعاء في 27 من شهر صفر سنة 589هـ، تُوفِّي صلاح الدين الأيّوبي، وقد كانت هذه الليلة الثانية عشْرة من مرضه، حيث ساءت حالته، وكان نائماً طوال الوقت، فلم يُفِق إلّا ما نَدَر، كما أنّهم أحضروا له أحد المقرئين؛ ليقرأ عنده القرآن الكريم، وعندما قرأ الآية الكريمة: (لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) تبسَّم صلاح الدين، وفاضت روحه إلى بارئها، وكانت وفاته بعد صلاة الفجر، وقد فَزِع الناس لموته، وأصابهم حزنٌ شديدٌ، وكان دَفْنه حيث مات في قلعة دمشق، في يوم وفاته نفسه، قريباً من وقت صلاة العصر، وقِيل في صراخ الناس وبكائهم عليه إنّه يُخيَّل للسامع أنّ الدنيا تَصرُخ في صوت واحد.
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11681