دكالة 24:
استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.
خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى وأعلام المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.
— إعداد: أحمد مسيلي —- الحلقة 10
كان المجاهد العياشي من تلاميذ الشيخ عبد الله بن حسون حيث أشار عليه هذا الأخير بالجهاد في سبيل الله وهو ما دفع به للظهور على مسرح السياسة في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي عشر للهجرة ( أوائل القرن 17 للميلاد ) كمجاهد متطوع في بلاد دكالة يرابط فيها لقتال البرتغاليين في الجديدة ، وقد استقر محمد العياشي المالكي الزياني سنة 1604 م في أولاد بوعزيز بأمر من شيخه سيدي عبد الله بن حسون دفين سلا ،وبلغ خبر تضييقه على النصارى المحتلين وانتصاره على جيوشهم في وقائع حربية متعددة إلى بلاط السعديين بمراكش ، فكافئوه بعمالة مدينة آزمور حيث عين قائدا على آزمور من طرف سلطان زيدان وهو حاكم مراكش بعد وفاة أحمد المنصور السعدي .
بدأ المجاهد العياشي يوجه الضربات القوية الموجعة للبرتغاليين بمازاكان ليظل بذلك شوكة في جنب البرتغاليين يقض مضجعهم ويبعث في قلوبهم الرعب والهلع ، ومن الشعر الحماسي الذي كان ينشده أبطال الملاحم ضد الغزاة في جيوب الاستعمار على شواطئ المحيط ماقاله محمد بن أحمد الكلاتي يمدح المجاهد العياشي في انتصاراته ضد العدو بشواطئ الجديدة وآزمور :
حديث العلا عنكم يسير به الركب وينقله في صحفه الشرق والغرب
وحبكم فرض على كل مسلم تنال به الزلفى من الله والقرب
وقال فيه العلامة عبد الواحد بن عاشر صاحب المرشد المعين :
يا حاذي الأطفال في الرياشي أبلغ سلامي فخرنا العياشي
لله سيف صارم وقاصم ظهر العدا كبيرهم والناشي
يتركهم عند اللقا رهن الشقا صرعى على الأرض كما الكباشي
وبما أن البرتغاليون تضايقوا كثيرا من حركات العياشي ومرابطته الدائمة حول المنطقة التي يحتلونها ، عمد البرتغاليون إلى المكر والخديعة فدبر هؤلاء مكيدة للمجاهد العياشي أساءت لعلاقته بالسلطان زيدان الذي جهز سرية قوية وجهها إلى مدينة آزمور للقبض على العامل وقتله غير أن قائد السرية محمد السنوسي الذي كان على علم بجلية الأمر بعث إلى المجاهد العياشي خفية أن ينجو بنفسه الأمر الذي فسح له المجال للخروج إلى مسقط رأسه ( سلا ) سنة 1614 م ليعود من جديد للمنطقة سنة 1640 م للجهاد ضد البرتغاليين في مازا كان ، فلم يصادف نجاحا كبيرا ، إذ دخل في صراع مع المورسكيين بسلا بعدما عاد من الجهاد ضد الاسبان بطنجة حيث فوجئ العياشي بجيش جرار يعترض طريقه ، ورأى ألا قبل له به ، فجنح إلى السلم والمهادنة لكن المجاهدين الذين كانوا معه أبوا إلا الدفاع عن أنفسهم ومواجهة خصومهم ، فوقعت المعركة الثالثة بين العياشي والدلائيين في ضواحي سوق أربعاء الغرب أواخر عام 1641 م وكان من الطبيعي ألا يصمد المجاهدون الذين أنهكتهم الاغارات على الاسبانيين ، خصوصا وهم قلة أمام هذه الحشود المستريحة , وقتل فرس العياشي تحته في المعركة فلجأ إلى قبيلة الخلط وهو لا يعلم أنها انحرفت فلم يستقر به المقام عندهم حتى اغتالوه في عين القصب التي تبعد عن مركز سوق أربعاء الغرب بنحو 20 كلم غربا وذلك في 9 محرم عام 1051 هجرية / 21 أبريل 1641 م .
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11664