دكالة 24:
استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.
خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى وأعلام المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.
—– إعداد: أحمد مسيلي ——- الحلقة 7
في سنة 1541م أنهى السعديون الاحتلال البرتغالي من آسفي وآزمور حيث انحصر البرتغاليون بمازكان وناحية أولاد بوعزيز وفي هذا الصدد نجد في الاستقصا للناصري ” لما استقل السلطان أبو عبد الله الشيخ بأمر السوس واجتمعت كلمته عليه صرف عزمه إلى جهاد العدو الذي بثغوره وحصونه ، وأرهف حده لتطهيرها من بقايا شغبه وزبونه ، فانتصر عليهم واستأصل شأفتهم وقطع من تلك النواحي دابرهم وحسم آفتهم .
قال ابن القاضي : ” كان الشيخ رحمه الله ماضي العزيمة قوي الشكيمة عظيم الهيبة ، كثير الغزوات ذا همة عالية وشهامة عالية ، فعد قواعد الملك وأسس مبانيه ، وأحيى مراسم الخلافة الدارسة ومعالمها الطامسة ، وكان له سعد وبخت عظيم في الجهاد ويد بيضاء في الإسلام ، فتح حصن النصارى بالسوس يعني حصن ” فونتي ” بعد أن أقاموا فيه اثنتين وسبعين سنة ، وكان منصورا بالرعب حتى تركوا له آسفي وآزمور وأصيلا من غير قتال ولا ايجاف عليهم ” ونحوه في تاريخ البرتغاليين ، زاد مؤرخهم أن ذلك كان بإذن طاغيتهم صاحب أشبونة وقد تقدم نحو هذا في أخبار الأعرج والجواب عنه ، وكان فتح ” فونتي ” سنة سبع وأربعين وتسعمائة كما في النزهة ، وفتح آسفي سنة ثماني وأربعين بعدها كما في المرآة ، وعند البرتغاليين أن ذلك كان سنة ألف وخمسمائة واثنتين وأربعين مسيحية وهو موافق لهذا التاريخ الهجري .
نجد في كتاب النزهة : ” لما أخلى النصارى آزمور تسارع إليها جماعة من الفقراء منهم الشيخ أبو محمد عبد الله الكوش دفين جبل العرض من فاس ، والشيخ أبو محمد عبد الله بن ساسي دفين تانسيفت قرب مراكش ، فقعدوا بها يحرسونها حتى يأتي مدد من المسلمين ومن يعمرها منهم مخافة أن يرجع إليها العدو فإذا به قد رجع واقتحمها عليهم وأسرهم إلى أن أفتكهم المسلمون ، قال امانويل : ” كان فداؤهما بألفي ريال ومائتي ريال بالتثنية فيهما ” ولما افتدى الشيخ الكوش وعزم على الخروج ، وكان أسيرا عند امرأة نصرانية ، ناولته كتبا للمسلمين وقالت له : ” هذه كتب كانت عندي ولا حاجة لي بها فخذها إليك ” فأخذها وخرج بها في قفة على رأسه … ” .
وفي فجر 30 مارس 1547 م / 954 هجرية هاجمت كوكبة من مائتي فارس مغربي مدينة الجديدة فواجهها حاكم المدينة ” لويز دي لوريرو ” مصحوبا بابنه مع مائة وعشرين فارسا وثلاثمائة راجل ، فتظاهر المقاومون بالانسحاب لاجتذاب الحاكم ورجاله إلى فخ نصبه القائد حمو بن داود الذي كان على رأس ستة آلاف فارس فهلك البرتغاليون ومن ضمنهم نجل الحاكم ، وقد طوق الشريف السعدي مولاي عبد الله الغالب بالله الجديدة المحتلة من طرف البرتغال بمائتي ألف جندي ( 120700 من المشاة و 37000 فارس و 13500 من الطلائع مع 24 مدفعا منه ميمونة وقد لاحظ مانويل دومينيز أن هذا العدد غير مبالغ فيه لأن موريتانيا هبت كلها للجهاد ضد المسيحيين الذين اضطروا بعد ذلك للجلاء عن الجديدة كما نجد الناصري يقول : ” وفي اليوم الرابع من مارس سنة ألف وخمسمائة واثنتين وستين مسيحية وصلت جموع المسلمين إلى حوز الجديدة … فكانت خيل المسلمين نحو ثلاثين ألفا والرماة ضعف ذلك وكان فيهم عسكر الترك المعروف بالبلدروش وكانوا يومئذ جندا للسعديين ، وكان معهم عشرون مدفعا عشرة كبيرة ، وعشرة صغيرة ، وفيها أحد أعظم من الجميع يسمى ميمونا ، وكان معهم العلم الكبير الأبيض ورايات أخرى ملونة ، وتقدموا إلى الجديدة فحاصروها حصارا شديدا وحاربوها حربا هائلة ، وصف هذا المؤرخ ذلك كله وصفا كاشفا . وكانت الجديدة يومئذ في غاية الحصانة والمناعة فلم يتمكن المسلمون من النصارى على ما ينبغي وأرسل الترك عليهم أنواع الحراقيات ، وملكوا المتارزات التي كانت حول السور بعد أن هلكت عليها نفوس من الفريقين ، ثم صنع النصارى للمسلمين عندها مينا البارود مرتين ، ففي الأولى كانت المينا تسعة براميل نفط منهن سبعة فأهلكت خلقا من المسلمين والنصارى وفي الثانية كانت تسعة عشر برميلا أمام السور فنفجرت بالمسلمين وأتلفت منهم عددا فبعضهم طار في الهواء وبعضهم تحت التراب .
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11576