دكالة 24:
استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.
خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى وأعلام المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.
——- إعداد: أحمد مسيلي ——– الحلقة 6
يسمح لنا سجل الضرائب بتحديد الأماكن التي خضعت خلال سنة 1511 م للبرتغاليين حيث أمضوا معاهدة مع سكان قرى بني ماكر الأربع في ماي 1511 م وأمضت عبدة معاهدة التزمت فيها بأداء الضرائب يوم 18 أكتوبر 1511 م وخضعت تازروت مرة ثانية يوم 30 نوفمبر 1511 م ، وتسمح جملة من مؤلف كويش بالاعتقاد بان شمال الشياظمة كان يدين بدوره بالطاعة خلال هذه السنة الشيء الذي يؤكده السجل المذكور ، وفي 31 يناير 1512 م خضعت قبائل أولاد عمران والغربية وشجعة وتميم ” الحوز ” وبعض قرى الكنتور ك ” تكرانت ” و ” كراندو ” … وأولاد دويب قرب تيط وفرع من أولاد سبيطة ، وخضعت المدينة الغربية ومشنزاية يوم 2 مارس 1512 م ، والملاحظ أن خضوع المدينة الغربية جاء بعد سلسلة من الغارات انتهى جلها بفشل برتغالي ، وتكبد القبطان خلال إحداها هزيمة حقيقية و بتاريخ 3 شتنبر 1513 م / 919 هجرية أغار البرتغاليون على آزمور برا حيث واجههم خمسة آلاف فارس مغربي وكان سكان المدينة يقذفون على البرتغاليين من أعلى السور خلايا النحل والسهام علاوة على الطلقات النارية وفي البحر يشعل الأسطول البرتغالي النار في الحراقات المغربية وكان عدد المراكب الشراعية البرتغالية ستين وقد اعتبر البرتغاليون آزمور كنقطة انطلاق لاحتلال الشاوية ومملكتي مراكش وفاس وكان أسطول الغزو يضم خمسمائة مركب و 18 ألف جندي حيث أبحر أولا في الجديدة وكان في آزمور 80 مدفعا وكمية كبرى من البنادق وكانت الأسوار محصنة بثمانين برجا وقصبة وعندما سمع سكان مدينة وتيط احتلال آزمور جلوا عن المدينتين ليبسط البرتغاليون نفوذهم على مجموع ساحل دكالة بعد أن كانوا قد احتلوا عسكريا مدينة آسفي سنة 1508 وقد سلم حكم المنطقة لمتعامل مغربي هو يحيى بن تاعفوفت وان كان شمال دكالة قد بقي لفترة قصيرة خارج نفوذه
وقد بشر دوك براكانس البابا بالنصر ولم يستطع البرتغاليون المساس بأهل الشاوية نظرا لبعدهم ولعلاقتهم بسلطان فاس وبمولاي الناصر الذي كانت له زوجتان من بنات ” عيشو ” شيخ الشاوية الذي كان يسكن بين آزمور وأنفا وكان هذا الوضع يعرقل المفاوضات مع أهل الشاوية وقد رمم البرتغاليون قصبة آزمور كما حاول مولاي الناصر أخ ملك فاس محاصرة آزمور عام 1514 م ولكنه انهزم وفقد أربعة آلاف من رجاله .
لقد انصب المجهود العسكري ليحيى بن تاعفوفت لصالح الاحتلال البرتغالي , فوقف ضد مقاومة السعديين الذين نظموا عدة حملات عسكرية على المواقف البرتغالية انطلاقا من بلاد السوس , وقاموا بحملات واسعة بين قبائل دكالة لتوعيتها وتأليفها ضد البرتغال وحثها على القيام بحركة الجهاد ضدهم , كما عملوا على زرع الشقاق بين العميل يحيى بن تاعفوفت والسلطات البرتغالية وقد نجحوا في ذلك عندما ابعد بن تاعفوفت عن السلطة , وبغيابه نجحت المقاومة وبدأ تقهقر الوجود البرتغالي . ومن أهم القبائل التي قاومته تحت راية السعديين ” أولاد عمران ” . ولم ينجح يحيى بن تاعفوفت عندما رجع إلى السلطة في تهدئة هذه القبيلة التي دبرت قتله , وبدلك تخلص السعديون من أخطر عدو لهم , فبدأت نهاية الاحتلال البرتغالي الذي انحصر في المراكز الساحلية وهي آزمور ومازكان وآسفي .
في سنة 1541م أنهى السعديون الاحتلال البرتغالي من آسفي وآزمور حيث انحصر البرتغاليون بمازكان وناحية أولاد بوعزيز وفي هذا الصدد نجد في الاستقصا للناصري ” لما استقل السلطان أبو عبد الله الشيخ بأمر السوس واجتمعت كلمته عليه صرف عزمه إلى جهاد العدو الذي بثغوره وحصونه ، وأرهف حده لتطهيرها من بقايا شغبه وزبونه ، فانتصر عليهم واستأصل شأفتهم وقطع من تلك النواحي دابرهم وحسم آفتهم .
قال ابن القاضي : ” كان الشيخ رحمه الله ماضي العزيمة قوي الشكيمة عظيم الهيبة ، كثير الغزوات ذا همة عالية وشهامة عالية ، فعد قواعد الملك وأسس مبانيه ، وأحيى مراسم الخلافة الدارسة ومعالمها الطامسة ، وكان له سعد وبخت عظيم في الجهاد ويد بيضاء في الإسلام ، فتح حصن النصارى بالسوس يعني حصن ” فونتي ” بعد أن أقاموا فيه اثنتين وسبعين سنة ، وكان منصورا بالرعب حتى تركوا له آسفي وآزمور وأصيلا من غير قتال ولا ايجاف عليهم ” ونحوه في تاريخ البرتغاليين ، زاد مؤرخهم أن ذلك كان بإذن طاغيتهم صاحب أشبونة وقد تقدم نحو هذا في أخبار الأعرج والجواب عنه ، وكان فتح ” فونتي ” سنة سبع وأربعين وتسعمائة كما في النزهة ، وفتح آسفي سنة ثماني وأربعين بعدها كما في المرآة ، وعند البرتغاليين أن ذلك كان سنة ألف وخمسمائة واثنتين وأربعين مسيحية وهو موافق لهذا التاريخ الهجري .
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11549