دكالة 24: عدنان حاد
– 4 –
ولد عمرو بن العاص في الجاهلية والده هو العاص بن وائل أحد سادة العرب في الجاهلية، شرح الله صدره للإسلام في العام الثامن من الهجرة، ومنذ ذلك الحين كرس عمرو حياته لخدمة المسلمين فكان قائد فذ تمتع بذكاء ودهاء كبير، قام الرسول “صلى الله عليه وسلم” بتوليته قائداً على الكثير من البعثات والغزوات، فكان احد القادة في فتح الشام ويرجع له الفضل في فتح مصر.
عمرو بن العاص بن وائل السهمي قائد إسلامي عظيم تمتع بعقلية قيادية مميزة، بالإضافة لدهاء وذكاء مكنه من اجتياز العديد من المعارك والفوز بها، أعلن إسلامه في العام الثامن للهجرة مع كل من خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وفي الإسلام كان ابن العاص مجاهداً وبطلاً، يرفع سيفه لنصرته، عندما أعلن إسلامه قال عنه رسول الله “صلى الله عليه وسلم” { أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص }.
لقب “بداهية العرب” لما عرف عنه من حسن تصرف وذكاء، فما كان يتعرض إلى أي مأزق حتى كان يتمكن من الخروج منه، وذلك بأفضل الحلول الممكنة، فكان من أكثر رجال العرب دهاء وحيلة.
قبل أن يعلن عمرو بن العاص إسلامه كانت له إحدى المواقف مع النجاشي حاكم الحبشة والذي كان قد هاجر إليه عدد من المسلمون فراراً بدينهم من المشركين واضطهادهم لما عرف عن هذا الحاكم من العدل، ولكن قام المشركون بإرسال كل من عمرو بن العاص – كان صديقاً للنجاشي – وعبد الله بن ربيعة بالهدايا العظيمة القيمة إلى النجاشي من أجل أن يسلم لهم المسلمين الذين هاجروا ليحتموا به، فرفض النجاشي أن يسلمهم لهم دون أن يستمع من الطرف الأخر وهم المسلمين ولما استمع لهم رفض أن يسلمهم إلى عمرو وصاحبه.
قال له النجاشي ذات مرة : يا عمرو، كيف يعزب عنك أمر ابن عمك؟ فوالله إنه لرسول الله حقًا، قال عمرو: أنت تقول ذلك؟ قال: أي والله، فأطعني، فخرج عمرو من الحبشة قاصدًا المدينة، وكان ذلك في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة، فقابله في الطريق خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وكانا في طريقهما إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” فساروا جميعًا إلى المدينة، وأسلموا بين يدي رسول الله، وكان النجاشي قد أعلن إسلامه هو الأخر.
قال عمرو بن العاص عندما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟، قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟، وما كان أحد أحب إلى من رسول الله “ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة”.
كانت أولى المهام التي أسندت له عقب إسلامه، حينما أرسله الرسول “صلى الله عليه وسلم” ليفرق جمعاً لقضاعة يريدون غزو المدينة، فسار عمرو على سرية “ذات السلاسل” في ثلاثمائة مجاهد، ولكن الأعداء كانوا أكثر عدداً، فقام الرسول “صلى الله عليه وسلم” بإمداده بمائتين من المهاجرين والأنصار برئاسة أبي عبيدة بن الجراح وفيهم أبو بكر وعمر، وأصر عمرو أن يبقى رئيساً على الجميع فقبل أبو عبيدة، وكتب الله النصر لجيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص وفر الأعداء ورفض عمرو أن يتبعهم المسلمون، كما رفض حين باتوا ليلتهم هناك أن يوقدوا ناراً للتدفئة، وقد برر هذا الموقف بعد ذلك للرسول حين سأله انه قال ” كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم ” فحمد الرسول الكريم حسن تدبيره.
بعد وفاة الرسول “صلى الله عليه وسلم” وفي خلافة أبي بكر “رضي الله عنه”، قام بتوليته أميراً على واحداً من الجيوش الأربعة التي اتجهت إلى بلاد الشام لفتحها، فانطلق عمرو بن العاص إلى فلسطين على رأس ثلاثة ألاف مجاهد، ثم وصله مدد أخر فأصبح عداد جيشه سبعة ألاف، وشارك في معركة اليرموك مع باقي الجيوش الإسلامية وذلك عقب وصول خالد بن الوليد من العراق بعد أن تغلب على جيوش الفرس، وبناء على اقتراح خالد بن الوليد تم توحيد الجيوش معاً على أن يتولى كل قائد قيادة الجيش يوماً من أيام المعركة، وبالفعل تمكنت الجيوش المسلمة من هزيمة جيش الروم في معركة اليرموك تحت قيادة خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم وتم فتح بلاد الشام، انتقل بعد ذلك عمرو بن العاص ليكمل مهامه في مدن فلسطين ففتح منها غزة، سبسطية، ونابلس ويبني وعمواس وبيت جيرين ويافا ورفح.
كان عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” إذا ذُكر أمامه حصار “بيت المقدس” وما أبدى فيه عمرو بن العاص من براعة يقول: لقد رمينا “أرطبون الروم” “بأرطبون العرب”.
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11508