دكالة 24:
كانت الساعة تشير إلى آخر حصة بمدرسة بير الببوش بمنطقة أولاد افرج إقليم الجديدة ، ذات يوم من أيام فبراير الباردة من سنة 1984 ، وبينما معلم العربية يستعد لمغادرة المدرسة ، تلقفه مدير المجموعة يحمل ظرفا مغلقا بإحكام ويخبره بضرورة المثول أمام النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية غدا صباحا لأمر غاية في الأه…مية . تلعثم المعلم واصطكت أسنانه وهو يحاول أن يطمئن عن فحوى الاستدعاء، سيما أنه لم يمض على تعيينه بالمدرسة سوى 5 أشهرقادما إليها من مركز تكوين المعلمين بالدارالبيضاء .
كانت علاقته مع أهل الدوار جيدة ، لم يكن متزوجا لأنه في بداية مشواره العملي ، وكان مرة بعد أخرى يطلب من تلاميذه أن يحضروا له بعضا من الخبز أمام بعد المؤسسة عن مركز أولاد افرج وأولاد حمدان .
أمضى المعلم ليلة مرت عليه بطيئة وكما قال الشاعر وليل أقاسيه بطيئ الكواكب ، وفي الصباح امتطى سيارة نقل سري أقلته نحو الجديدة ، وكان طيلة 35 كيلومترا يتساءل ماذا يريدني النائب الإقليمي .
كانت الساعة 9 لما وصل إلى مقر النيابة ، قدم نفسه إلى سي ابراهيم العرابي الكاتب الخاص للنائب ، وماهي إلا لحظات حتى أدخله عند عبدالكامل الحبابي وهو نائب ترتعد له الفرائص كان يحيط بكل صغيرة وكبيرة بتراب نيابته وبنبرة فاسية تنطق الراء غاء ، تأكد الحبابي من هوية المعلم الماثل أمامه ، قبل أن يضغط على زر جرس أمامه يطلب من سي العرابي أن يدخل شخصا آخر يظهر من ملابسه أنه من أهل البادية ، سأله واش نتا من بير الببوش مالك مع هاذ المعلم .
أجاب البدوي نعام أسيدي كايطلب من التلاميذ يجيبو ليه الخبز .
استشاط الحبابي غضبا وطلب من المعلم والبدوي أن ينتظرا بقاعة الانتظار، قبل أن يركب الرقم الهاتفي لقائد أولاد افرج، ولم يكن آنذاك سوى عبدالله فجري الذي سيصبح في ما بعد واليا على الداخلة،قال له بالحرف إن أولاد افرج من القبائل المشهود لها بالكرم ، لكن مواطنا من بير الببوش جاء يشكو معلما من أجل خبزة .
لم يدع القائد للنائب فرصة لإكمال كلامه حين طلب منه أن يوجه إليه المواطن البدوي إلى القيادة بمركز أولاد افرج في اليوم الموالي .
وكما اتفق، حل البدوي بالقيادة ليجد القائد في انتظاره ، وبنبرة غاضبة قال له ماعاذ الله أن تكون من أولاد افرج لأن دكالة لايتحاسبون على خبزة ، ومن اليوم فصاعدا محكوم عليك أن توفر للمعلم خبزة في الصباح ومثيلة لها في المساء ، وإذا خالفت فلا تلومن إلا نفسك ،تراجع البدوي خطوة إلى الوراء وهو يردد السمع والطاعة نعام أسيدي .
هذه المرة ركب القائد رقم النائب الإقليمي ليخبره بفحوى الحكم الصادر في حق البدوي البخيل الذي داوم على توفير خبزتين في اليوم للمعلم سالف الذكر طيلة 4 سنوات قضاها ببير الببوش .
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11106