يعيش بنات و ابناء دوار القرية في ظروف جد قاسية عنوانها البارز التهميش ثم التهميش في جميع مناحي الحياة بحيث لم تستطع مخططات المجلس الاقليمي و لا المجلس البلدي في تحسيس ساكنيه أنهم مواطنين و لو بأبسط الحقوق … و لكشف معاناتهم خصوصا الاطفال منهم ، قمت بزيارة الأسبوع الماضي متجولا بين أحياء مدينة سيدي بنور وصولا إلى ثانوية الامام الغزالي التأهيلية غربا مرورا بتجزئة جوهرة فدوار القرية بعد تجاوز القنطرة التي تفصله عن عالم التمدن ، لازالت الاوضاع كما أعرفها الازبال منتشرة في كل مكان ، الروائح الكريهة تفوح منها و من الوادي الذي رميت فيه الجيف و الكلاب و القطط ، أطفال يرتدون ثيابا بالية غيرت اشعة الشمس من لونها يركدون و ارجل بعضهم حافية …. أجواء كئيبة و مشاهد مؤلمة و حالات تثير الغضب كحالة مجاري الصرف الصحي التي تمر في شكل سيول من أمام أبواب الساكنة و روائحها النتنة تزكم الأنوف و قد تجمعت حولها كل أنواع الحشرات… ، حقا لم يتغير فيها شيء سوى بعض المشاريع الاجتماعية التي فتحت أبوابها أمام زوارها ، دون ان يكون لها مفعول يذكر حسب مرافقي .
في ذلك الصباح من يوم الاربعاء أثار انتباهي تجمع النسوة في مكان منعزل قيل أنهن في انتظار الحافلات التي تأخذهن للعمل بالحقول الزراعية مع جلوس نسبة كبيرة من الشباب على مسار جدران البيوت ضاحكين و ساخرين من الحياة ، دوار القرية لازال كما هو يتحرك بطريقة غير عادية حاله حال جل الدواوير التي شكلت تجمعا سكانيا عشوائيا مختلطا يشكل مزيجا من الثقافات و الأعراق ، رمت بهم الأقدار للعيش بهذا الدوار الذي اختلط فيه الصالح بالطالح و تجمعت فيه كل الحالات الاجتماعية المأزومة التي يستغلها أصحاب المال في حملاتهم الانتخابية استغلالا بشعا تضيع معه مبادئ النزاهة و الشفافية … و تضيع معها حقوق هؤلاء انطلاقا من الحرمان من الماء الشروب و الكهرباء و غيرها من الامور الاساسية للعيش الكريم .
الشاب رشيد البالغ من العمر حوالي 22 سنة أخبرنا يتعب و يشقى لأجل ضمان لقمة العيش ، فهو يبيع الخبز ليتمكن من جمع المال لأمه المطلقة و التي تعجز عن الحركة ، نادية البالغة من العمر حوالي 46 سنة تشتغل بالحقول لأن أسرتها المكونة من ثلاثة ذكور آخرين هربوا من القرية و تركوها رفقة أمها ، أما أبوها فهو مسجون منذ سنين ، أما مصطفى البالغ من العمر حوالي 51 سنة و هو بائع الخضر على متن عربة مجرورة بالقرب من السوق على مستوى شارع محمد الخامس المؤدي الى مدينة الزمامرة فهو قد فقد أسرته في حادث مرور يصارع المرض و مشاق العمل و الاكراهات المالية لأجل اقتناء الدواء … ، ذكور و إناث يبيعون كل ما استطاعوا بيعه لضمان لقمة العيش ( مناديل – سجائر بالتقسيط – … ) و منهم من يتسول و آخرون اصبحوا ماسحي احدية … هذه الحالات بالنسبة لأي كائن يملك في قلبه ذرة إنسانية تمثل مأساة ، فكيف لفتية لم يتجاوز عمر أكبرهم الخامسة عشر أن يصبح الشارع مأواهم و ملاذهم الوحيد هو دوار القرية يعانون من حرقة الشمس و من شدة البرد وسط سكوت المجتمع و خصوصا من طرف من تقلدوا مسؤولية الدفاع عن مصالحهم و الأخذ بيدهم حين الضيق و الشدة من أمتعوا مسامعهم أثناء الحملات الانتخابية بحل مشاكلهم و توفير كل متطلباتهم لدرجة انهم صاروا يحلمون بواقع معيشي وردي سرعان ما يصطدم بالواقع المر الذي يرافقهم ما تبقى من حياتهم …. الأطفال فئة أخرى لم يكن حظهم أفضل فكانت ظروف أسرهم قاهرة أجبرتهم على العمل ، المؤسف ليست الظروف بل طريقة تعامل المجتمع مع هؤلاء إذ أنه يعتبرهم كالعبيد يسهل التحكم فيهم و فرض الرأي عليهم ، فكم من طفل تم تعنيفه و ضربه أمام الملأ دون أن يتحرك أحد دفاعا عنه و كأنه فرد غير موجود أساسا ، هذا الواقع المرير المعاش هو واقع يعيشه العشرات من أطفال دوار القرية الذين أدت بهم الظروف الى العيش في ضنك لكنهم لازالوا يقاومون صعوبة العيش بشجاعة و شرف في مقابل تمتع أبناء الميسورين و المسئولين بطفولة آمنة يعيشون فيها الراحة و السعادة ، صحيح أن أطفال الشوارع ظاهرة موجودة في جل دول العالم ، و اطفال دوار القرية جزء جد بسيط وجب التعامل معهم بطريقة أكثر إنسانية عوض التهميش و الاستعباد و القمع فقط لأنهم دون لقب أو دون ولي غالبا فيكون الويل الذي يرونه في طفولتهم مأساة يندى لها الجبين و يصمت المجتمع عن فضحها لتستمر المعاناة تلاحق كل فئات ساكنة القرية طيلة حياتهم المعيشية ، مجلس بلدي مشلول يفتقد للحس الاجتماعي فقدانه في ذلك لمشاريع تنموية تنهض بأوضاع ساكنة مدينة سيدي بنور الى الافضل ، فمتى سينعم قاطني دوار القرية بسكن يحفظ كرامتهم ؟ و متى سيهتم الجالسون على كراسي المسؤولية بأوضاع هؤلاء خصوصا منهم الاطفال ؟ أم أن التهميش و القهر قدر سيظل يلاحق ساكنة دوار القرية طوال الحياة ؟ .
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=103