استنهاض الدول العربية بين الفعل و الاقتباس

doukkala24
أقلام حرة
29 يناير 2021آخر تحديث : منذ 4 سنوات
استنهاض الدول العربية بين الفعل و الاقتباس

دكالة 24:بقلم : محمد الصفى:

ربما الحديث عن أهم العوامل الممكنة لاستنهاض الأقطار العربية يجرنا للحديث عن مرحلة كانت هذه الأقطار هي سيدة العالم شمالا و جنوبا ، شرقا و غربا، و كانت كل الشعوب تضرب لها ألف حساب، سواء على المستوى العلمي أو الأدبي أو الإبداعي و حتى الحربي، و من هذا المنطلق نقول أنه لا يوجد هناك منتصر دائم أو لا رقي دائم، إنها حركية التاريخ بكل فصوله التي تنبني على شكل هرم كلما وصلنا إلى قمته نشرع في النزول، نزول رهين طبعا بأسباب سجلها التاريخ بكل أسف للأقطار العربية التي لم تستطع المحافظة على هذه النهضة، أسباب تعود بالأساس إلى الصراعات حول الحكم و البذخ و الانسلاخ عن المبادئ و القيم الإنسانية و الاجتماعية التي دعا إليها ديننا الحنيف الإسلام،  مما جعل أمم أخرى تتقدم لما تمتلكه من هذه المقومات، لذلك أرى أنه أية أمة تريد أن تنهض فلا بد من توفرها على المقومات التالية : احترام حقوق الإنسان و منح الحرية لشعبها الحرية التي تفك قيود العبودية و الخنوع و الظلم و الاستبداد و تجعله يبدع و ينتج وفق تحركات يغلب عليها الوازع الأخلاقي . إضافة إلى إيلاء الأهمية البالغة للتعليم و البحث العلمي فكلما كان المجتمع متعلمًا ومتقدمًا في العلم كلما كان أقدر على تحقيق النهضة، لتبقى أهم عوامل اي نهضة هي التشبع  بالقيم الإنسانية والحضارية من عدل وتعاون وتسامح وتعايش ورحمة وصدق وأمانة وغيرها كثير، فكلما كانت الأمة تمتلك قيما إنسانية حضارية في واقعها وحياتها كانت أقرب إلى النهضة والنجاح والتقدم. قد نجزم أنه لا علاقة تربط تقدم أي مجتمع بلغته كيفما كانت عربية أو فرنسية أو إنجليزية بقدر ما يرتبط التقدم بمشكلة التعليم، بحيث أن العرب لم يولوا اهتمامهم باللغات الأجنبية من أجل تعلمها و ترجمتها للعربية حتى يستفيد منها طلبتهم و تلامذتهم بحكم أن العامل اليوم أصبح قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا الحديثة، فنحن لا ننكر أن اللغة العربية هي  لغة القرآن، لغة السنة، لغة التراث، لغة القانون، لغة الأدب، لغة المبادئ و الأخلاق و القيم، لكننا كعرب لم نعرها الاهتمام هي الأخرى فلا نحن استفدنا منها و استخدمناها للرقي و لا اهتممنا باللغات الأخرى، وبقراءة مبسطة حول حصيلة البحوث العلمية المنجزة باللغة العربية نجدها جد ضئيلة إن لم نقل منعدمة في بعض الدول العربية، و حتى المنجز منها لا تتم ترجمته ليكتسي الصبغة العالمية و تعطي بذلك القيمة المستحقة للغة العربية و لشعوبها لكي يتبوؤوا مكانتهم ضمن الدول المتقدمة. فرغم ما يشهده العرب من انتكاسات خلال القرون الأخيرة على مستوى الرقي الحضاري فهو يشهد أسماء لها وزنها على المستوى العالمي في عدة مجالات كالطب و الفلك و البحث الزراعي و الهندسي و غيرها لكن للأسف نجد أغلبهم مجنس بجنسيات أجنبية مما يجعل أعمالهم تتبناها تلك الدول، بحكم أنهم لم يجدوا التشجيع الأنسب من دولهم العربية، من هنا يمكن القول أنه بالإمكان تحقيق استنهاض عربي دون اللجوء لاقتباس أو تقليد عناصر النهضة الغربية، لأنا أصلا كعرب أصحاب فضل كبير لما وصلت إليه الشعوب الغربية و ذلك بشهادة رجالاتهم منهم الباحث جوتيه حيث قال ” إن العرب علمونا صنع الكتاب وصنع البارود وعمل إبرة السفينة، فعلينا أن نفكر ماذا كانت نهضتنا لو لم يكن من ورائها هذه المخلفات التي وصلتنا من المدنية العربية.. ” كما قال ميجون:” لا ننكر على العرب بأن لهم الحظ الأوفر من هذه المدنية وهم واضعو أسسها، وقد أفرغوا هذه العناصر المختلفة في قالب متجانس متناسب فأوجدوا منها مدنية مطبوعة بطابع عظمتهم وسلامة ذوقهم” فهل نحن أقل شأنا من أجدادنا من قبيل الشريف الإدريسي الجغرافي الذي علم أوروبا علم الجغرافيا و بن خلدون واضع فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع، و الفزاري أول من استعمل الأسطرولاب من العرب، و علي بن أحمد بن يوسف بن الخضر المشهور بزين الدين الآمدي مخترع طريقة الكتابة بالحروف البارزة الخاصة بالعميان، و عباس بن فرناس حكيم الأندلس الذي سبق الأوروبيين في الطيران كما أنه أول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك الموسيقى ووضع الآلة المعروفة بالمثقال ليعرف بها الأوقات، وعبد الرحمن بن بدر من وزراء الناصر الأندلسي الذي كان أول من توصل لطباعة الحروف قبل مخترعه المشهور جوتنبرغ الألماني، أو الرازي وابن جابر أول من وضع أساس الكيمياء الحديثة، زد عليها اختراع أول ساعة دقاقة كبيرة و معظم المستحضرات والأدوية المستعملة كالأشربة والدهون والمراهم والغول (الكحول) واللعوق و البنج و … ولولا العرب لما تحقق ما نحن فيه، فكيف لنا أن نقتبس من أناس تعلموا منا ؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!