دكالة 24:
الأخلاق المحمودة : الصمــــت.. خلق الأنبياء والصالحين
– قوله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْل إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18].
قال ابن كثير: (مَا يَلْفِظُ أي: ابن آدم مِنْ قَوْل أي: ما يتكلم بكلمة إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أي: إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها لا يترك كلمة ولا حركة كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار: 10-12]) [تفسير القرآن العظيم].
وقال الشوكاني: (أي: ما يتكلم من كلام فيلفظه ويرميه من فيه إلا لديه أي: على ذلك اللافظ رقيب أي: ملك يرقب قوله ويكتبه والرقيب: الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر فكاتب الخير هو ملك اليمين وكاتب الشر ملك الشمال والعتيد: الحاضر المهيأ قال الجوهري: العتيد: الحاضر المهيأ … والمراد هنا أنه معد للكتابة مهيأ لها) [فتح القديب بتصرف].
وقال الشنقيطي: (قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْل أي ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام إِلَّا لَدَيْهِ أي إلا والحال أن عنده رقيبًا أي ملكًا مراقبًا لأعماله حافظًا لها شاهدًا عليها لا يفوته منها شيء عَتِيدٌ : أي حاضر ليس بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر ) [أضواء البيان].
وقال السمعاني: (أي: رقيب حاضر قال الحسن: يكتب الملكان كل شيء حتى قوله لجاريته: اسقيني الماء وناوليني نعلي أو أعطيني ردائي ويقال: يكتب كل شيء حتى صفيره بشرب الماء) [تفسير القرآن].
ثانيًا: في السنة النبوية:
– عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) [رواه البخارى ومسلم].
قال ابن عبد البر: (وفي هذا الحديث آداب وسنن منها التأكيد في لزوم الصمت وقول الخير أفضل من الصمت لأن قول الخير غنيمة والسكوت سلامة والغنيمة أفضل من السلامة) [النمهيد لابن عبد البر].
وقال النووي: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((فليقل خيرًا أو ليصمت)) فمعناه: أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرًا محققًا يثاب عليه واجبًا أو مندوبًا فليتكلم وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورًا بتركه مندوبًا إلى الإمساك عنه مخافةً من انجراره إلى المحرم أو المكروه وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا) [شرح النووى على مسلم].
– عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صمت نجا)) [صححه الألبانى فى صحيح الجامع].
قال القاري: (… ((من صمت)): أي: سكت عن الشرِّ ((نجا)): أي: فاز وظفر بكل خير أو نجا من آفات الدارين) [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقارى].
قال الغزالي: (من تأمل جميع… آفات اللسان علم أنه إذا أطلق لسانه لم يسلم وعند ذلك يعرف سر قوله صلى الله عليه وسلم: ((من صمت نجا)) لأن هذه الآفات كلها مهالك ومعاطب وهي على طريق المتكلم فإن سكت سلم من الكل وإن نطق وتكلم خاطر بنفسه إلا أن يوافقه لسان فصيح وعلم غزير وورع حافظ ومراقبة لازمة ويقلل من الكلام فعساه يسلم عند ذلك وهو مع جميع ذلك لا ينفك عن الخطر فإن كنت لا تقدر على أن تكون ممن تكلم فغنم فكن ممن سكت فسلم فالسلامة إحدى الغنيمتين) [إحياء علوم الدين بتصرف].
أقوال السلف والعلماء في الصمت:
– أخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه بطرف لسانه وقال: (هذا الذي أوردني الموارد) [رواه مالك والنسائى فى السنن الكبرى].
– وعن علي رضي الله عنه قال: (بكثرة الصمت تكون الهيبة) [ربيع الأبرار للزمخشرى].
– و(عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تعلموا الصمت كما تعلمون الكلام فإنَّ الصمت حلم عظيم وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم ولا تتكلم في شيء لا يعنيك ولا تكن مضحاكًا من غير عجب ولا مشَّاءً إلى غير أرب) [رواه الخرائطى فى مكارم الأخلاق].
– (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أربعٌ لا يصبن إلا بعجب: الصمت وهو أول العبادة والتواضع وذكر الله وقلة الشيء) [رواه ابن أبى الدنيا فى الصمت].
– (وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج) [البيان والتبيين للجاحظ].
– (عن وهيب بن الورد رحمه الله قال: كان يقال: الحكمة عشرة أجزاء: فتسعة منها في الصمت والعاشرة عزلة الناس) [الصمت لابن أبى الدنيا].
– و(قال: أبو عمر الضرير: سمعت رياحًا القيسي يقول: قال لي عتبة: يا رياح إن كنت كلما دعتني نفسي إلى الكلام تكلمت فبئس الناظر أنا يا رياح إنَّ لها موقفًا تغتبط فيه بطول الصمت عن الفضول)
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=751