دكالة 24 :
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
عباد بن بشر.. بطل من بدر
كان عباد بن بشر الأشهلي حين لاح في آفاق يثرب أول شعاع من أشعة الهداية المحمدية فتى موفور الشباب غض الإهاب تعرف في وجهه نضرة العفاف والطهر وتلمح في تصرفاته رزانة الكهول على الرغم من أنه لم يكن إذ ذاك قد جاوز الخامسة والعشرين من عمره.
وقد اجتمع إلى الداعية المكي الشاب مصعب بن عمير فسرعان ما ألفت بين قلبيهما أواصر الإيمان ووحدت بين نفسيهما كريم الشمائل ونبيل الخصائل وقد استمع إلى مصعب وهو يرتل القرآن بصوته الفضي الدافئ نبرته الشجية الآسرة فشغف بكلام الله حبًّا وأفسح له في سويداء فؤاده مكانًا رحبًا وجعله شغله الشاغل فكان يردده في ليله ونهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن.
أسلم عباد قديماً بالمدينة على يد سفير الإسلام مصعب بن عمير وكان إسلامه قبل إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما.
*ملامح من شخصية عباد بن بشر:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: تهجد النبي في بيتي فسمع صوت عباد يصلي في المسجد فقال: يا عائشة أصوت عباد هذا؟ قالت: نعم قال: اللهم ارحم عباد وفي رواية: اللهم اغفر له .
شهد عباد بن بشر مع الرسول مشاهده كلها وكان له في كل منها موقف يليق بحامل القرآن.
من ذلك أن الرسول لما قفل عائدًا من غزوة ذات الرقاع نزل بالمسلمين في شعب من الشعاب ليقضوا ليلتهم فيه.
وكان أحد المسلمين قد سبى في أثناء الغزوة امرأة من نساء المشركين في غيبة زوجها فلما حضر الزوج ولم يجد امرأته أقسم باللات والعزى ليلحق بمحمد أصحابه وألا يعود إلا إذا أراق منهم دمًا.
فما كاد المسلمون ينيخون رواحلهم في الشعب حتى قال لهم الرسول : من يحرسنا في ليلتنا هذه؟ .
فقام إليه عباد بن بشر وعمار بن ياسر وقالا: نحن يا رسول الله وقد كان النبي آخى بينهما حين قدم المهاجرون على المدينة.
فلما خرجا إلى فم الشعب قال عباد بن بشر لأخيه عمار بن ياسر: أي شطري الليل تؤثر أن تنام فيه: أوله أم أخره؟ فقال عمار: بل أنام في أوله ثم اضطجع غير بعيد عنه.
كان الليل ساجيًا هادئًا وادعًا وكان النجم والشجر الحجر تسبح بحمد ربها وتقدس له فتاقت نفس عباد بن بشر إلى العبادة واشتاق قلبه إلى القرآن وكان أحلى ما يحلو له القرآن إذا رتله مصليًا فيجمع متعة الصلاة إلى متعة التلاوة.
فتوجه إلى القبلة ودخل في الصلاة وطفق يقرأ من سورة الكهف بصوته الشجي الندي العذب.
وفيما هو سابح في هذا النور الإلهي الأسنى تمارق في لألاء ضيائه أقبل الرجل يحث الخطى فلما رأى عباد من بعيد منتصبًا على فم الشعب عرف أن النبي بداخله وأنه حارس القوم فوتر قوسه وتناول سهمًا من كنانته رماه به فوضعه فيه.
فانتزعه عباد من جسده ومضى متدفقًا في تلاوته غارقًا في صلاته.
فرماه الرجل بآخر فوضعه فيه فانتزعه كما انتزع سابقه فرماه بثالث فانتزعه كما انتزع سابقيه وزحف حتى غدا قريبًا من صاحبه وأيقظه قائلاً:
انهض فقد أثخنتني الجراح. فلما رآهما الرجل ولى هاربًا.
والتفت عمار بن ياسر إلى عباد بن بشر فرأى الدماء تنزف غزيرة من جراحه الثلاثة فقال له: سبحان الله هلا أيقظتني عند أول سهم رماك به؟!
فقال عباد: كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها وايم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله بحفظه لكان قطع نفسي أحب إلى من قطعها.
*شجاعة عباد بن بشر وفدائيته:
وكان كبير العذر أبلى يوم اليمامة بلاءً حسنًا وكان أحد الشجعان الموصوفين.
كان عباد بن بشر من فضلاء الصحابة وكان سيدًا كبير القدر أوجز الذهبي معالم وملامح الإقدام والسيادة في عباد فقال: كان أحد الشجعان الموصوفين شهد عباد بدرًا وأحدًا والخندق والحديبية وتبوك وسائر المشاهد مع رسول الله
وكان عباد بن بشر موصوفاً بشدة البأس والشجاعة حتى قال عمر لرسول الله في غزوة بني المصطلق: مر عباد بن بشر فليضرب عنق المنافق عبد الله بن أبي بن سلول .
أما فدائية عباد فكانت شيئاً آخر عبقت به دنيا المغازي وأوردت شجاعته كتب التراجم والسير ومن أعلام أعماله الفدائية أنه شارك في قتل كعب بن الأشرف اليهودي وكفى رسول الله شر هذا الفاجر الأفاك.
وجاهد عباد يومئذ جموع المرتدين من بني حنيفة وكان له غناء ويلاء لم ير لأحد مثله.
يقال: أنه قتل يومئذ عشرين مشركًا.
شعوره بالمسئولية وتخصصه في الحراسة:
في غزوة الأحزاب تولى عباد حراسة قبة النبي :
قال سعد: وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان في أصحابه يومًا ويغدو خالد بن الوليد يومًا ويغدو عمرو بن العاص يومًا ويغدو هبيرة بن أبي وهب يومًا ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يومًا.
*وفاة بشر بن عباد:
في الليلة التي سبقت المعركة الحاسمة رأى عباد بن بشر فيما يراه النائم أن السماء انفرجت له فلما دخل فيها ضمته إليها وأغلقت عليه بابها. فلما أصبح حدث أبا سعيد الخدري برؤياه وقال: الله إنها الشهادة يا أبا سعيد.
وهناك عند أسوار الحديقة سقط عباد بن بشر شهيدًا مضرجًا بدمائه وفيه ما فيه من ضربات السيوف وطعنات الرماح ووقع السهام حتى إنهم لم يعرفوه إلا بعلامة كانت في جسده.
ويشهد أبو سعيد الخدري لعباد بالشجاعة أيضًا يوم اليمامة وينقل لنا صوته يومئذ وهو يصيح بالأنصار: احطموا جفون السيوف وتميزوا من الناس وجعل يقول: أخلصونا أخلصونا فأخلصوا أربعمائة رجل من الأنصار ما يخالطهم أحد يقدمهم عباد بن بشر وأبو دجانة والبراء بن مالك رضي الله عنهم.
حتى انتهوا إلى باب الحديقة فقاتلوا أشد القتال وقتل عباد بن بشر رحمه الله فرأيت بوجهه ضربًا كثيرًا ما عرفته إلا بعلامة كانت في جسده.
كان من سادة الأوس عاش خمسًا وأربعين سنة.
استشهد بشر بن عباد يوم اليمامة.
*مناقب بشر بن عباد وما قيل فيه:
عن يحيى بن عباد بن عبد الله عن أبيه قال: قالت عائشة: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً كلهم من بني عبد الأشهل:
سعد بن معاذ عباد بن بشر وأسيد بن حضير
وعن أنس بن مالك أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند رسول الله في ليلة ظلماء قال: فلما خرجا من عنده أضاءت عصا أحدهما فكانا يمشيان في ضوئها فلما تفرقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا.
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=512