دكالة 24:
استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.
خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى وأعلام المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.
—– إعداد: أحمد مسيلي —- الحلقة 13
مدينة الصويرة بدورها لم تحرم من اهتماماته حيث أشرف بنفسه على تخطيطها ليجعل منها مركزا تجاريا ومربط للقراصين الجهادية ، وقد كان السلطان يعتبر الصويرة إحدى المراكز الإستراتيجية الهامة ، لذلك أتقن عمرانها وملأ الجزيرتين الدائبتين بالمدافع ، وشيد برجا على صخرة داخل البحر ، بينما كان الحظ الأوفر من اهتماماته ينصب على مدينة الجديدة فاتحة جهاده ورمز نضاله بعد أن هدمها الاستعمار البرتغالي ، فأعاد بناء الكثير من مرافقها وعمل على تنشيط العمل والتجارة بها فجاب إليها قبائل من عرب بني هلال قبيلة عريقة وهي فرع من عهد بني إسماعيل ، قطنوا في نجد ، وعرفوا بفصاحة لغتهم العربية في الجاهلية قاتلو الأزد وحالفوا الهوازن في حرب الفجار ضد قريش وأحلافهم كنانة ، هاجروا إلى مصر وأقاموا في الصعيد ، وحدث أن نكبت مصر في عهدهم بعامين من المجاعة فطردهم السلطان الفاطمي ، ثم وفدوا على شمال إفريقيا في القرن الحادي عشر وعنهم تفرعت قبائل بني هلال التي استقر قسم منها في القيروان بتونس ، واشتقت منهم بطون استوطنت بعض جهات المغرب كقبيلة الخلط بالقصر الكبير وقبيلة بني هلال بدكالة . وبنو هلال يرد ذكرهم في التاريخ كمحاربين أشداء … اشتركوا في حروب ضارية ضد البربر وعنهم وضعت الرواية العربية المعروفة بسيرة أبي زيد الهلالي سلامة أخذت أخبارها من تاريخهم وان كانت لا تخلو من كثير من الأساطير. وفي مجال تنمية موارد الدولة فقد قام بتعزيز الجبايات الموظفة على الأسواق بعد أن استفتى في ذلك الفقهاء في شرعيتها ، وفي سبيل النهوض بالحركة الاقتصادية فقد نشط السلطان الاقتصاد عن طريق الموانئ وخاصة بمينائي مدينتي الجديدة والصويرة إذ شجع التجار المسيحيين وأسقط عنهم الجبايات مؤقتا ريتما تزدهر حركة المبادلات بين الداخل والخارج ، وعزز الثغور المغربية بحاميات قوامها 16500 جندي وأقام الأبراج للمراسي مثل العرائش وأنفا وسلا والرباط حيث بنى في هذا الأخير برج الصراط سنة 1169 هجرية ثم برج صقالة بالصويرة سنة 1190 للهجرة وكون أسطولا جلب بعض مواده من انجلترا والسويد وتركيا فعزز حماية المياه الإقليمية من الأطماع الأجنبية .
وقد عرف المغرب في أيامه عهد رفاهية وسلام وكان للدولة ثروة موفورة حيث بلغت موارد مكوس فاس آنذاك سنويا 500الف مثقال أي 2500000 فرنك بصرف ذلك الوقت ( سوردون في كتابه عن إفريقيا الشمالية ص 241 ) وقد ذكر صاحب درة السلوك أن السلطان تصدق خلال أزمة الجفاف التي استمرت خمس سنوات ب 500 مليون دينار وهو مبلغ باهظ ، كما وزعت الدولة على المدن والبوادي الأقوات ومختلف الإعانات المادية ، وقد عمد السلطان ضمانة لتموين البلاد بالمواد الحيوية . كما أنه أسس الديوانات في المراسي المفتوحة وأقام عليها أمناء لمراقبة المداخيل الجمركية وكان المغرب يصدر إلى أوربا فائض منتجاته ففي عام 1260 هجرية أصدر عن طريق الصويرة وحدها 75000 طن من القمح والقطاني وقد قدر مبلغ رواج الميناء الفتي عام 1267 هجرية بستة ملايين فرنك واستمر نشاطه إلى عام 1911 حيث زارته 462 باخرة وأصدر المغرب عن طريقه 38000 طن من المنتجات المغربية في مقابل واردات لا تعدو حمولتها 12000 طن أي أقل من ثلث الصادرات ، وكان القطن يغرس في النواحي التي لا تعلو كثيرا عن سطح البحر وحول المدن الكبرى منذ أوائل العصور الوسطى بل وحتى قبل الفتح الإسلامي ، ولكن في عام 1866 م كتب نائب القنصل الفرنسي بالدار البيضاء تيودور جيلبير تقريرا ذكر فيه أن انجلترا شجعت في عام 1864 م رعاياها القاطنين بالمغرب على زرع القطن في ناحية الجديدة فأنتجت دكالة وحدها عام 1865 م نحو 400 قنطار قيمتها 100.000 فرنك ذهبية ، وكان في هذا القطن المغربي نوعان معروفان في أوربا ( سي – ايسلاندا ) لهما سدى حريري طويل من الطراز الأمريكي الذي تقبل عليه أوربا عظيم الإقبال وكذلك أورليان الجديدة وكانت المصانع المحلية هي التي تنقي القطن الخام من الحبوب بواسطة الآلات .
من أهم مدن وحواضر بلاد إقليم دكالة نذكر :
مدينة الجديدة التي تقع على ساحل المحيط الأطلنطي جنوب مدينة آزمور ونهر أم الربيع ، وقد تغير اسم هذه المدينة عدة مرات حيث كانت تسمى مازاغان ثم سميت البريجة ثم المهدومة وبعدما تجدد بناؤها سميت الجديدة كما خضعت لعدة تقلبات سياسية وعسكرية طورتها وأفضت بها إلى الواقع الحالي .
يعتقد بعض المؤلفين أنها بنيت على أنقاض مدينة رومانية كانت تعرف ب : بور تيس ريتيبيس –” وكل ما هناك أن المكان كان مجرد ملجأ للسفن تحتمي فيه من شدة العواصف . أما عن وصول البرتغاليين إلى هدا الموقع وإنشائهم القلعة الموجودة حاليا فهو يبدأ كإحدى روايات المغامرات ، ذلك أن سفن ” جورج دوميلو ” الخد يم المخلص لملك البرتغال ” ايمانويل الأول ” خرجت من لشبونة سنة 1502م لمها جمة تاركة التي أسسها القوط قديما على بعد 35 كلم شرق مدينة تطوان لكن عاصفة هوجاء أدت إلى تدمير الأسطول البرتغالي فلم تنج منه سوى سفينة القبطان التي رمت بها الأمواج إلى ساحل يبعد بحوالي 17 كلم جنوب مدينة آزمور أمام برج قديم هجره السكان المحليون يسمى ” برج الشيخ ” كما جاء في كتاب الاستقصاء أو برج ” الشيخ البريجة ” كما في مراجع أخرى ، والظاهر أن هذا البرج اتخذ قديما للحراسة وقد أعجب البحارة البرتغاليون بالموقع فتركوا به 12 رجلا مسلحا وعادوا إلى لشبونة ، وبعد أن رخص لهم الملك البرتغالي بالعودة عادوا وجلبوا معهم العملة والبنائين ، وشرعوا في تشييد قلعة في هذا الموقع ، ونظرا لما حصل بينهم من سوء تفاهم بالإضافة إلى الضربات التي وجهها إليهم الأهالي ، كل ذلك أرغمهم على العودة إلى البحر ، وبهذا بدأت المغامرات البرتغالية ، إذ في سنة 1509 م أمر البرتغال بتشييد قلعة قرب ” برج الشيخ ” في خليج الجديدة حاليا وزود البعثة التي أرسلها بالجنود ” 25 من الخيالة و 100 من المشاة ” والبنائين والمهندسين .
وعلى مشعب صخري ، بنى البرتغاليون حصنا مربعا على كل زاوية منه برجا مستديرا وأحاطوا هذه الأبراج بسور ثم اتخذوا في وسط الحصن خزانا مربعا للأسلحة والحبوب وقد سجل لنا ” دون جيورج ” الذي حكم القلعة من 1615 م إلى 1619 م أنه خلال الحصار الذي تعرضت له القلعة سنة 1562 م من طرف الجيوش السعدية ، تزود السكان في خزان الأسلحة الذي حول إلى مطفية أو ” مسقاة ” لمدة أربعة شهور ، وكان عددهم آنذاك أي السكان حوالي 5000 نسمة استهلكوا خلال هذه الشهور 1000 برميل من الماء من هذه المسقاة التي تسع 8000 برميل ، ونظرا لأهمية المدينة ، حصن البرتغاليون الساحة الجديدة ” ماز كاو” بأربع مواقع إستراتيجية منها : حصن الملائكة وهو مجهز بستة مدافع مطلة على المحيط الأطلسي وتحت هذا الحصن يوجد مخزن للبارود .
حصن سان سيباستيان وهو يطل كذلك على البحر وتقع به محكمة للتفتيش .
حصن سان اسبري وهو حصن يشرف على الحقول المجاورة ومجهزة بستة مدافع .
حصن سان انطوان وهو حصن مقابل للبر مجهز كذلك بستة مدافع بينما بأسفله يوجد المستشفى وكنيسة الرحمة .
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11748