دكالة 24:عدنان حاد
- – 13 –
في هذا الكتاب رأينا أول عرض أوروبي كامل للأرقام الهندية العربية، وللصفر، والطريقة العشرية، يقوم به مؤلف مسيحي، وكان، كما يقول ول ديورانت في “قصة الحضارة”، “بداية بعْث العلوم الرياضية في بلاد أوروبا المسيحية. وأدخل هذا الكتاب نفسه الجبر العربي في أوروبا الغربية، وأحدث انقلابا بسيطا في ذلك العلم لأنه كان يستخدم من حين إلى حين حروفا بدل الأرقام لتعميم المعادلات الجبرية واختزالها. واستخدم ليوناردو في كتابه “الهندسة التطبيقية” (Practica geometrica (1220)) لأول مرة في العالم المسيحي على ما نعلم الجبر في حل النظريات الهندسية، ووضع في كتابين آخرين نُشِرا في عام 1225 طرقا مبتكرة لحل معادلات الدرجة الأولى والثانية. وفي تلك السنة نفسها رأس فردريك الثاني في مدينة بيزا مهرجانا رياضيا، وضع فيه يوحنا بالرمو (John Palermo) مسائل مختلفة حلها فيبوناتشي”.
لكن من الأمور الطريفة والغريبة التي انتشرت في أوروبا آنذاك مقاومة كل جديد ولو كان فيه تيسير على أبناء هذه القارة، فقد “ظلَّ تُجّار أوروبا يُقاومون طريقة العد الجديدة على الرغم من ظهور هذا المؤلف الذي يُعدّ بداية عهد جديد في تاريخ العلوم الرياضية، فقد كان كثيرون منهم يُفضِّلون تحريك المِعد بأصابعهم وكتابة النتائج بالأرقام الرومانية، وفي عام 1299 استطاع “العدّادون” في فلورنس أن يُقنعوا ولاة الأمور بسن قانون يُحرِّم استعمال “الأرقام الخيالية الجديدة”، ولم يدرك إلّا عدد قليل من الرياضيين أن الرموز الجديدة، وهي الصفر وترتيب الخانات العشرية في آحاد وعشرات ومئات، قد مهدت السبيل إلى تطور علوم الرياضة تطورا يكاد يكون مستحيلا إذا ظلوا يتخذون الحروف القديمة اليونانية والرومانية واليهودية أرقاما. ولم تحلّ الأرقام الهندية آخر الأمر محل الأرقام الرومانية إلّا في القرن السادس عشر”.
فما أن اتضحت فائدة استخدام الأرقام العربية للأذهان حتى تبنّاها الناس في معظم أغراضهم العلمية، وبتبنّي هذه الأرقام دخلت إلى اللغات الأوروبية عدة كلمات عربية، فالكلمة الفرنسية “Chiffre”، والألمانية “Ziffer”، والإنجليزية “Cipher”، وكذا كلمة “Zero” الفرنسية والإنجليزية كلها مشتقة من الكلمة العربية “صفر” ومعناها “الخالي”، وقد جاء ابتكار هذه العلامة في وقت متأخر، وقد أحدثت ثورة كما يقول مونتجومري وات في “فضل الإسلام على الحضارة الغربية”.
لقد كتب ليوناردو في الفصل الأول من كتابه “Liber Abaci” عن الأرقام العربية قائلا: “إن الأرقام الهندية التسعة هي: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9. وبواسطتها جميعا، علاوة على تلك العلامة “0” التي تُسمى الصفر العربي، فإنه يمكن كتابة أي عدد مهما كان”. وكان ليوناردو -كما تقول المستشرقة الألمانية الكبيرة آنا ماري شيمل- “يقرأ كالعرب من اليمين إلى اليسار، وحتى الكسور يكتبها إلى يسار الأعداد الصحيحة، فيكتب مثلا: واحد ونصف على هذه الصورة 2/1، وكما علّمه معلمه العربي وهو صبي، فقد شرع ليوناردو في تعليم الغرب تلك الأرقام بما فيها تلك العلامة “0” التي يسميها العرب صفرا”.
من المهم القول إن فيبوناتشي حين نقل الأرقام الهندية العربية بآخر تطورات علم الجبر ومعادلاته إلى القارة الأوروبية التي تلقّاها في عصره بعضهم بحماسة بالغة وأكثرية مناوئة، فإنه نقل إليهم أيضا ما عُرف بـ “متتالية فيبوناتشي”، ومتتالية فيبوناتشي أو أعداد فيبوناتشي في الرياضيات هي الأرقام التي تكون في المتتالية التالية: 1-2-3-5-8-13-21-34-55-89…، أي إننا نقوم بجمع كل رقم إلى الرقم الذي يسبقه، وهكذا، وكل رقم هو نتاج مجموع الرقمين السابقين له.
ومن أهم تطبيقات هذه السلسلة ما يُسمَّى النسبة الذهبية التي نجدها في الطبيعة بشكل كبير، في الأزهار وفي عالم الكائنات الحية وفي جسم الإنسان، وكثير من الأشكال في الطبيعة، بل إن هذه المتوالية الحسابية تُستخدم اليوم في البيانات الرقمية، وتداول أسواق البورصات العالمية، وغيرها، وكل ذلك كان بفضل تعلُّم فيبوناتشي الرياضة وعلم الجبر العربي تلك العلوم التي جمعت خلاصة الرياضيات الهندية واليونانية وأضافت إليها ابتكارات العرب والمسلمين وتطويراتهم الجديدة في هذه الميادين، وعلى رأسها “الصفر” الذي أحدث ثورة في تاريخ الهندسة والحسابات والأرقام حتى يومنا هذا.
المصدر : https://www.doukkala24.com/?p=11744